في هذه الأوقات من شهر فبراير، اجتاحت القرنبيط المحلي الأصفر أسواق الخضروات، ملؤوا شوارع فلسطين بلونه الزاهي الذي يبعث الحياة في الأجواء. يقف الفلاحون على جنبات الطرق، وعرباتهم تتكدس برؤوس القرنبيط، نعم، إنها موسم القرنبيط! تلعب هذه الخضار اللذيذة دورًا مهمًا في العديد من الأطباق الفلسطينية الشهيرة مثل المقلوبة، إمشاط، زهرة باللبن، وغيرها.
يعود أصل هذه الزهرة إلى سوريْف، بلدة في منطقة الخليل الشمالية جنوبي فلسطين. ومن بين أهالي سوريْف، نجد أم عصام، الفلاحة الصديقة العزيزة التي تقيم اليوم في بيت لحم. تروي أم عصام كيف كانت الأمور في الماضي. في تلك الأيام، لم يكن بإمكان الناس زرع ما يشاءون في أي وقت. بل كانت الزهرة البلديّة تزرع في نهاية الصيف، وتنمو طوال فصل الشتاء، لتُحصد بين شهري فبراير ومارس. وعندها، كان عبق القرنبيط المقلي يملأ البيوت الصغيرة في البلدة، حيث كان العائلات تحضر أطباق الإمشاط أو المقلوبة. وللحفاظ على طيباتها بعد انتهاء الموسم، كان الناس يقومون بتخليلها، لتظل متاحة للاستمتاع بها طوال أشهر.
كل يوم جمعة، كانت عائلة أم عصام تسافر إلى سوريْف، حيث كان لديها منزل صغير. وفيما كان الأحفاد يلهون في الغابات التي تزينها أشجار اللوز والمشمش والزيتون، كان الأعمام يجمعون الحطب ويشعلون نارًا. وبمجرد أن يُخرجوا وعاءً مليئًا بالزيت، كان الجميع يعلم أن شيئًا مميزًا على وشك التحضير. كان الإمشاط، المقلي حديثًا والمحمّر حتى أصبح ذهبيًا، يُقدّم ساخنًا — وكان دائمًا أفضل عندما يُقدّم يدًا بيد من شخص محب.
ومع مرور الزمن، أصبحت الطرق إلى سوريْف غير قابلة للوصول بسبب القيود المتزايدة على حركة الفلسطينيين التي فرضها الاحتلال. واليوم، لم تعد أم عصام قادرة على قضاء ساعات طويلة في المطبخ لتحضير وجبات لجميع أفراد العائلة. لكن كرمها وحبها للمطبخ الفلسطيني لا يزالان ثابتين. ما زالت تواصل مشاركة وصفاتها اللذيذة وحكاياتها، ضامنةً أن إرث الزهرة البلديّة والطعام الفلسطيني التقليدي سيستمر للأجيال القادمة.